تقدير الله الحق- الكون يتسع، وعقولنا تتجدد

المؤلف: عبده خال10.06.2025
تقدير الله الحق- الكون يتسع، وعقولنا تتجدد

إنّ الجدال الدائر حول الظواهر الكونية، بما يحمله من آراء متباينة، قادرٌ على أن يوقظ العقول الراكدة، وأن يجدّد فيها الإدراك لعظمة الخالق سبحانه وتعالى، فنتدبر قوله تعالى: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ" (67) الزمر.

فالعديد من الناس يتعاملون مع الله عز وجل بمستويات متدنية من المعرفة والإدراك، إذ عمد أتباع الديانات السماوية إلى ترسيخ صورة بسيطة ومختزلة عن خالق الكون جل وعلا في أذهان المؤمنين، وقد تحركت القصص الدينية في فضاء معرفي محدود، ضمن أطر زمنية معينة، مما أدى إلى تكوين تصورات قاصرة عن عظمة الخالق عز وجل.

ومع تداخل الديني والأسطوري في حكايات شعبية متوارثة عبر الأجيال، أصبحت الأسطورة بمنزلة دليل يرشد الناس حتى بعد نزول الرسالات السماوية، تلك الرسالات التي جاءت لإحداث نقلة نوعية في الوعي، لتأسيس نظرية معرفية راسخة يُبنى عليها كشف أسرار الكون الفسيح، ومع مرور الوقت وتراكم الخبرات والمعارف، هيأ الله سبحانه وتعالى عقولاً لامعة قادرة على اختراق أسرارٍ لم تخطر ببال رجال الدين البسطاء.

وتشهد صفحات التاريخ على أنّ علماء عباقرة قد نقلوا العالم من حالة الركود والبطء إلى آفاق العلم الواسعة والمتجددة، التي لا تعرف التوقف.

ولأنّ المؤسسات الدينية قد حوّلت الدين إلى سلطة نافذة لا ترغب في أن يفلت أحد من قبضتها، فنجد هذه الفئة تطالب أتباعها بعدم تجاوز حدود فكرهم، لذلك فقد حاربوا بشراسة كل من غاص في أعماق الكون الفسيح سعياً لتقدير الله حق قدره من خلال الاكتشافات والاختراعات التي ساهمت في تطوير العلوم، ونقلت المفاهيم المجردة إلى واقع ملموس يتعامل معه الناس على أنه من المسلمات.

واليوم، بفضل النظريات العلمية الحديثة واكتشاف المجرات، بتنا نعلم أنّ الكون في حالة توسع وانفجار دائمين، ولكن على الرغم من هذا التقدم المعرفي، لا تزال فئة من الناس تعتقد أنّها وحدها من يمتلك العقل الراجح في هذا الكون، متجاهلين وجود مخلوقات أخرى لا يعرفون عنها شيئاً، فالتفكير السائد لديهم هو تفكير سطحي يقوم على إلغاء كل ما لا يشبههم أو يماثلهم.

وإذا قيل لأحدهم أنّ مجرة من المجرات تبعد عنك آلاف السنين الضوئية، فما قيمة الأرض بكل ما عليها من مخلوقات أمام عظمة خلق الله اللامتناهي؟

شخصياً، أؤمن بوجود ملايين المخلوقات العاقلة، ومن الضروري ألا نحصر مفهوم العقل بما اعتدنا عليه من معارف بسيطة، فالعقل البشري ظل حبيس مفهوم الأبعاد الثلاثة حتى ما قبل مئة عام، وعندما نبّه العالم آينشتاين إلى وجود البعد الرابع (الزمن)، تغيرت مفاهيم كثيرة، فكيف بنا ونحن نقرأ اليوم أنّ الأبعاد أصبحت اثني عشر بعداً؟

إياكم والاغترار بهذه الأرض ومخلوقاتها، فالله سبحانه وتعالى عندما خلق الكون لم يستأذننا في ذلك، بل خلق ما نعلم وما لا نعلم، وهناك أمم نعجز عن إحصائها في أرضنا، فكيف لنا أن نتجرأ على إنكار وجود مخلوقات تسبح في هذا الكون الفسيح، لها علمها ووجودها الخاص؟

وعلى الأقل، نحن كأمة القرآن، يجب علينا أن نؤكد وجود عوالم أخرى في الأرض والسماء، وسيأتي زمن نتواصل فيه مع تلك الأمم، ويكفي أن نتأمل هذه الآية الكريمة:

"وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" (38) الانعام.

فقوله تعالى: (بِجَنَاحَيْهِ) يوحي بأنّ أي أمة تتواجد خارج فضائنا الأرضي لها وجودها المستقل، فكم من مليارات النجوم وآلاف المجرات تسبح في ملكوت الخالق عز وجل.

لذا، يجب علينا الكف عن الغرور واليقين بأنّ الله لم يخلق من العقلاء سوى الإنس والجن، بل نحتاج إلى تقدير الله حق قدره، والاعتراف بعظمة خلقه المتنوع.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة